حكم الاجتماع للتعزية في بيت الميت
السؤال
هل الاجتماع عند أهل الميت للتعزية بدعة أم لا؟ وإن كانت بدعة فكيف أعزي أهل الميت؟
الجواب
هذه المسألة جاء فيها قول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ( كنا نعد الاجتماع وصنعة الطعام لأهل الميت من النياحة )، كنا نعد الاجتماع وصنعة الطعام لأهل الميت أو عند أهل الميت أو الأكل عند أهل الميت من النياحة، فهذا الحديث عليه مأخذ حديثي ومأخذ فقهي.
أما بالنسبة للناحية الحديثية فهذا الحديث مروي من طريق: هشيم بن بشير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير ، أخرجه ابن ماجة في سننه، وأيضاً أخرجه الإمام أحمد من طريق راوٍ يقال له: نصر بن باب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير ، فـ نصر بن باب اتهم بالكذب قال البخاري : يرمونه بالكذب، وهذا من مشايخ الإمام أحمد القلائل جداً الذين تكلم فيهم بالضعف بل بالكذب، مشايخ الإمام أحمد الذين رموا بالكذب قلة جداً، ومنهم هذا الشيخ، فمتابعة نصر بن باب لـ هشيم لا تعويل عليها من الأصل فاطرحها جانباً، فلا تعويل على رواية نصر بن باب .
بقيت رواية هشيم بن بشير عن إسماعيل عن قيس عن جرير ، هشيم مدلس، وتدليسه في الحقيقة مؤثر، وخاصة إذا تفرد بإخراج الحديث ابن ماجة في سننه من بين أصحاب الكتب الستة، فتفرد ابن ماجة بإخراج الحديث بهذا السند مشعر بشيء من الضعف، لكن التعويل في التضعيف على أنه معنعن الإسناد، والحديث أورده الدارقطني في كتاب العلل الجزء المخطوط، وقال: رواه شريج بن يونس و الحسن بن عرفة عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد ، ورواه خالد المدائني فذكر إسناداً لـ خالد ، لكن خالداً -أصلاً- متروك وكذاب، ثم قال الدارقطني في خواتيم مقالته: وخرجوه عن هشيم عن شريك عن إسماعيل ، فكأن هناك واسطة بين هشيم وبين إسماعيل ، ومن الذين خرجوه؟ الله أعلم ، لكن الآن الإسناد الموجود أمامنا: هشيم عن إسماعيل و هشيم عنعن، وعنعنته مؤثرة مضرة، فتدليسه من النوع الشديد، فالحديث ضعيف لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حسنه بعض العلماء الأفاضل المعاصرين، لكن الذي تطمئن إليه النفس أن الحديث لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن حسنه يلزم بأن يأتينا بتصريح لـ هشيم بالسماع؛ لأن هشيم مدلس، هذا شيء.
الناحية الفقهية للحديث: الحديث في حالة ثبوته حمل فقرتين، كانوا يعدون الاجتماع وصنعة الطعام لأهل الميت، كما يفعل في بعض القرى عندما يموت ميت، يأتي المعزون للتعزية ويصنعون لهم طعاماً أشبه ما يكون بالوليمة، فالحديث اجتمع فيه فقرتان، فهل الواو في قوله: ( كانوا يعدون الاجتماع وصنعة الطعام )، للتشريك، أي: كانوا يعدون الاجتماع مع الأكل أو الواو بمعنى: أو؟ الظاهر الأول، والله أعلم، وعلى هذا درج الفقهاء، لكن إسناد الحديث -أصلاً- فيه نظر، وأقوال الفقهاء ينصب كثير منها على الاقتران بين الجلوس وبين الأكل، أما إذا مات ميت فتعزية من مات له ميت مشروعة، فالرسول عليه الصلاة والسلام عزى أصحابه، وأرسلت له ابنة من بناته تقول: إن ابنها نفسه تقعقع، وتطلب منه أن يأتي إليها، فأرسل التعزية، ( وأخبرها أن لله ما أخذ، وأن له ما أعطى .
الحديث )، فأقمست عليه أن يأتيها، فأتاها مع طائفة من أصحابه، فأتاها للتعزية مع طائفة من أصحابه فوجد الولد نفسه تقعقع.
الشاهد: أن الرسول أتاها للتعزية، وجلس ورُفع إليه الطفل، وذرفت عيناه بالدمع، فسأله سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله؟! قال: ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عبادة )، فالرسول جلس وجلس معه سعد بن عبادة ، وجلس معه على ما يحضرني أبي بن كعب ، أو طائفة من أصحابه، فهم جلسوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام.
أيضاً ذهب الرسول عليه الصلاة والسلام للتعزية عندما استشهد جعفر رضي الله عنه، فبعد ثلاثة أيام ذهب إلى بيت جعفر ، فعزى آل جعفر على موت جعفر ، وأتي له بأولاده فدعا لهم عليه الصلاة والسلام.
أيضاً في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها كان إذا مات لها الميت، وانصرف الناس وبقي أهل الميت، أمرت بالتلبينة فصنعت وقالت: إنها مذهبة للحزن، مجمة لفؤاد المريض، فكانت تأمر لهم بنوع من الطعام ليأكلوه، فالشاهد: أن أصل التعزية مشروع، والتعزية في حقيقتها نوع من أنواع المواساة وجبر الخاطر التي أتى بها ديننا.
فالظاهر -والله أعلم- أن أصل التعزية مشروع، فإن جاء المعزي إلى البيت وجلس خمس دقائق أو عشر دقائق فهذا جائز، لكن التكاليف التي تحدث في السرادقات والإحداثات والبدع هي المذمومة، لما فيها من تباهي، ولما فيها من أخذ أموال من تركة الميت، وفيها حق للأيتام، وتعطي للمقرئين المبتدعين وغير ذلك.
أما حديث: ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً )، فلنا فيه نظر، وفي صحته نزاع، لكن على أن الأكثرية من العلماء صححوه، وهو بلفظ: ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً، إنه قد أتاهم ما يشغلهم )، فيصير الحكم على سنية صنع الطعام لأهل الميت، وحديث عائشة في الصحيحين: ( أنها كانت إذا مات لها الميت أمرت بالتلبينة فصنعت، فأكلت هي وأهل الميت، وقالت: إن التلبينة مذهبة لبعض الحزن، مجمة لفؤاد المريض )، والمسألة مسألة فقهية.
ثم إن حديث الرسول: ( اصنعوا لأهل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم )، العلة أنه قد أتاهم ما يشغلهم، وهذا يفيد أنهم إذا كانوا غير مشغولين عن الطعام؛ فلا يشرع صنع الطعام لهم، فيختلف الحكم باختلاف التعليل الوارد في الحديث.
فالخلاصة: إذا كان يشق على أهل الميت صنع الطعام ترفع عنهم هذه المشقة، لحديث جعفر عند من صححوه، ونحن نحترم من صححه، وقد قال بمقتضاه الجمهور، والله أعلم.
أما حديث: ( لا عزاء بعد ثلاث )، فضعيف، وحديث جعفر : ( أمهل الرسول ثلاثاً ثم ذهب إلى آل جعفر )، صحيح، فتخصيص التعزية بثلاثة أيام لا أعلم عليه دليلاً.
الشيخ العلامة مصطفى العدوي
السؤال
هل الاجتماع عند أهل الميت للتعزية بدعة أم لا؟ وإن كانت بدعة فكيف أعزي أهل الميت؟
الجواب
هذه المسألة جاء فيها قول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ( كنا نعد الاجتماع وصنعة الطعام لأهل الميت من النياحة )، كنا نعد الاجتماع وصنعة الطعام لأهل الميت أو عند أهل الميت أو الأكل عند أهل الميت من النياحة، فهذا الحديث عليه مأخذ حديثي ومأخذ فقهي.
أما بالنسبة للناحية الحديثية فهذا الحديث مروي من طريق: هشيم بن بشير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير ، أخرجه ابن ماجة في سننه، وأيضاً أخرجه الإمام أحمد من طريق راوٍ يقال له: نصر بن باب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير ، فـ نصر بن باب اتهم بالكذب قال البخاري : يرمونه بالكذب، وهذا من مشايخ الإمام أحمد القلائل جداً الذين تكلم فيهم بالضعف بل بالكذب، مشايخ الإمام أحمد الذين رموا بالكذب قلة جداً، ومنهم هذا الشيخ، فمتابعة نصر بن باب لـ هشيم لا تعويل عليها من الأصل فاطرحها جانباً، فلا تعويل على رواية نصر بن باب .
بقيت رواية هشيم بن بشير عن إسماعيل عن قيس عن جرير ، هشيم مدلس، وتدليسه في الحقيقة مؤثر، وخاصة إذا تفرد بإخراج الحديث ابن ماجة في سننه من بين أصحاب الكتب الستة، فتفرد ابن ماجة بإخراج الحديث بهذا السند مشعر بشيء من الضعف، لكن التعويل في التضعيف على أنه معنعن الإسناد، والحديث أورده الدارقطني في كتاب العلل الجزء المخطوط، وقال: رواه شريج بن يونس و الحسن بن عرفة عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد ، ورواه خالد المدائني فذكر إسناداً لـ خالد ، لكن خالداً -أصلاً- متروك وكذاب، ثم قال الدارقطني في خواتيم مقالته: وخرجوه عن هشيم عن شريك عن إسماعيل ، فكأن هناك واسطة بين هشيم وبين إسماعيل ، ومن الذين خرجوه؟ الله أعلم ، لكن الآن الإسناد الموجود أمامنا: هشيم عن إسماعيل و هشيم عنعن، وعنعنته مؤثرة مضرة، فتدليسه من النوع الشديد، فالحديث ضعيف لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حسنه بعض العلماء الأفاضل المعاصرين، لكن الذي تطمئن إليه النفس أن الحديث لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن حسنه يلزم بأن يأتينا بتصريح لـ هشيم بالسماع؛ لأن هشيم مدلس، هذا شيء.
الناحية الفقهية للحديث: الحديث في حالة ثبوته حمل فقرتين، كانوا يعدون الاجتماع وصنعة الطعام لأهل الميت، كما يفعل في بعض القرى عندما يموت ميت، يأتي المعزون للتعزية ويصنعون لهم طعاماً أشبه ما يكون بالوليمة، فالحديث اجتمع فيه فقرتان، فهل الواو في قوله: ( كانوا يعدون الاجتماع وصنعة الطعام )، للتشريك، أي: كانوا يعدون الاجتماع مع الأكل أو الواو بمعنى: أو؟ الظاهر الأول، والله أعلم، وعلى هذا درج الفقهاء، لكن إسناد الحديث -أصلاً- فيه نظر، وأقوال الفقهاء ينصب كثير منها على الاقتران بين الجلوس وبين الأكل، أما إذا مات ميت فتعزية من مات له ميت مشروعة، فالرسول عليه الصلاة والسلام عزى أصحابه، وأرسلت له ابنة من بناته تقول: إن ابنها نفسه تقعقع، وتطلب منه أن يأتي إليها، فأرسل التعزية، ( وأخبرها أن لله ما أخذ، وأن له ما أعطى .
الحديث )، فأقمست عليه أن يأتيها، فأتاها مع طائفة من أصحابه، فأتاها للتعزية مع طائفة من أصحابه فوجد الولد نفسه تقعقع.
الشاهد: أن الرسول أتاها للتعزية، وجلس ورُفع إليه الطفل، وذرفت عيناه بالدمع، فسأله سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله؟! قال: ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عبادة )، فالرسول جلس وجلس معه سعد بن عبادة ، وجلس معه على ما يحضرني أبي بن كعب ، أو طائفة من أصحابه، فهم جلسوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام.
أيضاً ذهب الرسول عليه الصلاة والسلام للتعزية عندما استشهد جعفر رضي الله عنه، فبعد ثلاثة أيام ذهب إلى بيت جعفر ، فعزى آل جعفر على موت جعفر ، وأتي له بأولاده فدعا لهم عليه الصلاة والسلام.
أيضاً في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها كان إذا مات لها الميت، وانصرف الناس وبقي أهل الميت، أمرت بالتلبينة فصنعت وقالت: إنها مذهبة للحزن، مجمة لفؤاد المريض، فكانت تأمر لهم بنوع من الطعام ليأكلوه، فالشاهد: أن أصل التعزية مشروع، والتعزية في حقيقتها نوع من أنواع المواساة وجبر الخاطر التي أتى بها ديننا.
فالظاهر -والله أعلم- أن أصل التعزية مشروع، فإن جاء المعزي إلى البيت وجلس خمس دقائق أو عشر دقائق فهذا جائز، لكن التكاليف التي تحدث في السرادقات والإحداثات والبدع هي المذمومة، لما فيها من تباهي، ولما فيها من أخذ أموال من تركة الميت، وفيها حق للأيتام، وتعطي للمقرئين المبتدعين وغير ذلك.
أما حديث: ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً )، فلنا فيه نظر، وفي صحته نزاع، لكن على أن الأكثرية من العلماء صححوه، وهو بلفظ: ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً، إنه قد أتاهم ما يشغلهم )، فيصير الحكم على سنية صنع الطعام لأهل الميت، وحديث عائشة في الصحيحين: ( أنها كانت إذا مات لها الميت أمرت بالتلبينة فصنعت، فأكلت هي وأهل الميت، وقالت: إن التلبينة مذهبة لبعض الحزن، مجمة لفؤاد المريض )، والمسألة مسألة فقهية.
ثم إن حديث الرسول: ( اصنعوا لأهل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم )، العلة أنه قد أتاهم ما يشغلهم، وهذا يفيد أنهم إذا كانوا غير مشغولين عن الطعام؛ فلا يشرع صنع الطعام لهم، فيختلف الحكم باختلاف التعليل الوارد في الحديث.
فالخلاصة: إذا كان يشق على أهل الميت صنع الطعام ترفع عنهم هذه المشقة، لحديث جعفر عند من صححوه، ونحن نحترم من صححه، وقد قال بمقتضاه الجمهور، والله أعلم.
أما حديث: ( لا عزاء بعد ثلاث )، فضعيف، وحديث جعفر : ( أمهل الرسول ثلاثاً ثم ذهب إلى آل جعفر )، صحيح، فتخصيص التعزية بثلاثة أيام لا أعلم عليه دليلاً.
الشيخ العلامة مصطفى العدوي