الرحــبة
من أهم المواقع والمدن التي اشتهرت في وادي الفرات الأعلى في العهود الآرامية والعباسية والمملوكية. وقد تقوضت تلك المدينة في أواخر القرن السابع للهجرة، وقامت على أنقاضها مدينة المياذين الحالية.
يرتقي تاريخ مدينة الرحبة –التي كانت رحبوت- إلى القرن العشرين قبل الميلاد وفقاً لبعض المؤرخين . ونجد ذكراً لها في القرن الثاني قبل الميلاد عندما كانت إمارة آرامية تدعى ( آرام بيت رحوب ) وكانت قبل ذلك تسمى ( رحبوت ) أو ( رحبوتا ). وقد تعرضت شأنها شأن باقي إمارات مملكة دمشق الآرامية إلى الهجمات الآشورية حتى سقطت بيد الملك الآشوري ( آشور ناصر بال ) وعندما تصدعت المملكة الآشورية انتفضت ( رحبوت ) لتسترجع قوتها، وتخرج عن سلطة الآشوريين إلا أن ذلك الاستقلال لم يدم طويلاً بسبب الحملات الآشورية المتعاقبة مابين عامي 858 ق.م و 857 ق.م بقيادة ملكهم ( شلمنصر ) الذي تمكن أخيراً من إخضاع ماتبقى من الإمارات الآرامية بمافيها ( بيت رحوب ) لسلطانه، وفرض الجزية عليها من ذهب وفضة ونحاس وغلات زراعية، وأعقب ذلك خرابها، وانعدام ذكرها بعد ذلك التاريخ.
أما تاريخها الإسلامي فهو قد ارتبط بالأمير مالك بن طوق التغلبي باعث عمرانها. ذلك أن خلفاء بني العباس خبروا مالكاً، وقدروا كفائته ونسبه التغلبي. وحسبوا حساب قبيلته تغلب الكبيرة ومنزلتها الرفيعة قبل الإسلام وبعده ومنازلها في الجزيرة الفراتية بين الخابور والرقة وفي منطقة البشري في الشامية، مما يلي الفرات، فاختاروا مالكاً والياً على ( ناحية الفرات ) أو ( طريق الفرات ) كما كان يسمى في العصر العباسي، وهي المنطقة الممتدة بين عانة و بالس ( مسكنة ) والتى تعرف حالياً بمصطلح ( الزور ).
اتخذ مالك بن طوق من موقع الرحبة مركزاً لإمارته، فجدد بنائها وأقام فيها مدة طويلة. وكثر سكانها في عهده بالنظر لحسن موقعها ووقوعها على طريقٍ هامة. واستمر والياً على الرحبة مدة أربعين سنة عاصر خلالها ثمانية خلفاء عباسيين، فلما مات خلفه على حكم الرحبة ابنه أحمد.
وفي عام 269هجرية هاجم الرحبة الأفشين والي قنسرين، فدافع أهلها عنها وقاتلوه فغلبهم، وقتل منهم أناساً كثيرين، وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام. وكان الأفشين قد تحالف مع اسحق بن كنداج والي الموصل على أن يحكما ديار ربيعة ومصر والشام ، ثم تنافرا وجرت بينهما عدة مواقع وخاض الأفشين معارك كثيرة، وعاث في هذه البلاد فساداً وتقتيلاً وتخريباً.
آلت الرحبة إلى حمدان بن ناصر الدولة التغلبي، أقطعه إياها والده ناصر الدولة أبي الهيجاء الحسن بن عبدالله بن حمدان الذي كان والياً على الموصل والجزيرة في خلافة المقتدر (295هـ إلى 320 هـ 932م).
وفي عام 315هـ سار أبوطاهر القرمطي تجاه الرحبة وعليها يومئذٍ أبوجعفر محمد بن عمرون التغلبي، فافتتحها عنوة ونزلها في شهر محرم 316هـ، وقد قتل كثيراً من أهلها. ومن الرحبة بعث السواري إلى النواحي في الجزيرة، إلى كفر توثا ورأس العين ونصيبين فأوقعوا بالأعراب من تغلب والنمر وغيرهم. وبعد فشل أبوطاهر في المسير نحو الشام انطلاقاً من الرحبة سار عنها منحدراً في الفرات عائداً إلى البحرين في شهر شعبان 316هـ.
وكانت الرحبة بعد ذلك في عهد الخليفة الراضي بالله من إقطاع والي بغداد أبوبكر محمد بن رائق وكان نائب ابن رائق في الرحبة سنة 330هـ رجل يدعى مسافر بن الحسن، فلما قتل ابن رائق استولى مسافر على الرحبة وخراجها، إلى أن تمكن منها ناصر الدولة الحمداني في شعبان 331هـ.
بعد وفاة ناصر الدولة اختلف أبناؤه على الرحبة، وكانوا يتقاتلون عليها، فتارةً تقع بيد حمدان وتارةً بيد أبي تغلب وأخرى بيد أبي البركات. حتى استقرت بيد أبي تغلب عبدالله بن ناصر الدولة عام 360هـ وقد حسن حالها وعمر أسوارها. خرجت الرحبة من يد آبي تغلب بن حمدان في السنة 368 هـ - 978 م وخضت لسلطة عضد الدولة البويهي واستولى عليها أبو علي بن ثمال الخفاجي ولاه عليها الحاكم بأمر الله صاحب مصر. وفي عهد الخليفة القادر الذي بويع سنة 381 هـ وتوفي سنة 422 هـ استولى على الرحبة بكجور الذي كان واليا على دمشق للعزيز بالله الفاطمي وفي السنة 378 هـ عزله عنها فتوجه إلى الرقة واستولى عليها وعلى الرحبة وجعل الرقة مقره وقتل واستولى سعد الدولة مالك حلب على أمواله بالرقة ومات سعد الدولة بعد ذلك فأرسل أهل الرحبة إلى بهاء الدولة البويهي ببغداد يطلبون إليه أن ينفذ من يتسلم بلدهم فانفذ إليهم أميرا تسلمها. انتقلت البلاد إلى حوزة الفاطميين وصار يخطب لهم بالرقة والرحبة إلا أن سلطانهم كان اسميا والنفوذ إلى رؤساء القبائل المضرية وكان هؤلاء يتطاحنون فقد قتل عيسى بن خلاط العقيلي السنة 399 أبا علي بن ثمال الخفاجي واستولى على الرحبة وأقام فيها مدة وقصده بدران بن المقلد العقيلي فأخذها منه فأمر الحاكم بأمر الله الفاطمي نائبه بدمشق لؤلؤ البشاري بالمسير إليه فقصد الرقة أولا وملكها ثم سار إلى الرحبة وملكها وعاد إلى دمشق وعادت الرحبة إلى سطان الفاطميين.
استقل رجل من أهل الرحبة يدعى ابن محكان بأمرها بمساعدة صالح بن مرداس الكلابي الذي انفرد بملك الرحبة بعد أن اغتال ابن محكان عام 415هـ ولاحقاً أسس الدولة المرداسية في حلب على أنقاض الدولة الحمدانية. واستمرت تلك الدولة حتى 472 هـجرية كانت الرحبة خلالها تحت إمرة المرداسيين. ثم صارت إلى العقيليين من بعدهم.
وفي الفترة من 479 إلى 521 هجرية وقعت هي والأنحاء المجاورة بيد السلاجقة، وعندما تولى عماد الدين الزنكي السلطة عام 521هـ أقطع الرحبة وأعمالها إلى جاولي، ثم احتل قطب الدين الزنكي المدينة سنة 544هـ ، وفي محرم من عام 552 هـ خربت هزات أرضية مدينة الرحبة وحماة وشيزر وسلمية وغيرها، وفي عام 556 هجرية نهبت قبيلة خفاجة مدينتي الحلة والكوفة، فطاردتها حكومة بغداد، فالتجأت إلى الرحبة، وقويت فيها بانضمام أرهاط من العرب الرحل، وهزمت جيش بغداد الذي كان يطاردها.
وفي سنة 576 هجرية أقطع نورالدين الزنكي الرحبة وحمص لأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي، ولانشغال أسد الدين بالحروب عهد بإدارة الرحبة إلى ضابط يدعى يوسف بن الملاح، ولم يفرط أسد الدين شيركوه بأهمية الرحبة الاستراتيجية فاستحدث في جنوبها على بعد أربع كيلومترات بلدة صغيرة في أسفل القلعة القديمة لتفيد البلدة المستحدثة من قرب هذه القلعة حيث أصبحت الرحبة الجديدة محط القوافل من العراق والشام، وثغراً من الثغور الاسلامية. وظلت الرحبة بيد عائلة شيركوه قرابة قرن من الزمان إلى أن نصب الظاهر بيبرس البندقداري حاكماً عام 663هـ.
وفي العهد المملوكي كان الاهتمام بالرحبة لوقوعها على الحدود الشرقية لدولة المماليك ولمواجهتها خطر المغول في العراق. أوكل سلاطين المماليك مهمة الحفاظ على الأمن في طريق الفرات إلى آل فضل من طيء. وكان مركزهم الرئيسي في سلمية ولهم إقامة في الرحبة.
في عام 712هجرية حاصر المغول مدينة الرحبة بقيادة خربندا أثناء حملتهم المتجهة إلى الشام، غير أنه تراجع عنها تاركاً أدوات حصاره، فنقلها المدافعون عن المدينة إلى داخل القلعة. وفي عام 730 هجرية سبب فيضان الفرات للمدينة خراباً كبيراً. وفي ذات السنة تملك تيمورلنك العجم وطبرستان والعراقين والموصل والجزيرة، وجمع عساكر عديدة قاصداً بلاد الشام. وأرسل إلى السلطان رسلاً ومعهم هدية وكتاب، فلما وصلوا رحبة مالك بن طوق وثب عليهم نائب الرحبة كمش بغا، فقتلهم وأرسل الهدية والكتاب إلى السلطان.
بعد معركة مرج دابق عام 922هجرية أصبحت بلاد الشام جزءاً من الدولة العثمانية، وذلك في عهد السلطان سليم الأول، وفقدت الرحبة أهميتها التي كانت عليها في العهود السابقة فأصبح هذا الجزء مهمشاً ويدل على ذلك كثرة نقل تبعيتها الإدارية، كما أنها لم تعد مركز الأقليم الذي أصبح مدينة الدير ( دير الزور )، ففي البداية كان لواء الرحبة يتبع إيالة سوريا في عهد السلطان سليم الأول وأول عهد السلطان سليمان القانوني. وفي التشكيلات الإدارية العثمانية لعام 1527م أصبح لواء الدير والرحبة تابعاً لإيالة ديار بكر حتى عام 1566م عندما تأسست إيالة الرقة وألحق بها، وذلك قبل أن تلغى هذه الإيالة وتضم ألويتها إلى ولاية حلب.
وفي عام 1868 أصبح لواء دير الزور لواءاً مستقلاً، ويلحظ اختفاء اسم الرحبة حيث أن من بين أقضية لواء ديرالزور وقتها قضاء العشارة واختاروا العشارة وهي في منطقة الرحبة لوجود بيوت فيها، فلم تكن المياذين قد تكونت بعد حيث لايزال السكان معتصمين في القلعة القديمة بسبب فقدان الأمن.
وقد بقيت القلعة مأهولة حتى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، ولما ضاقت بسكانها وصعب عليها تأمين شربها، واستتب الأمن، ابتدأ سكانها يهجرونها على دفعات، إضافة للهجرات السابقة فقد شرع قسم من الرحبيين بالهجرة إلى مركز القضاء ( العشارة )، ثم تحولت الهجرات إلى موقع الرحبة القديمة لقربها من القلعة، وليستعين المهاجرون بآجر المدينة القديمة يستخرجونه من أنقاضها وسورها في بناء بيوتهم. وليكونوا على نهر الفرات لتأمين شربهم وسقاية ماشيتهم. فلقد خربت الترعة القديمة التي كانت تتفرع من نهر سعيد الذي كان يخرج من نهر الفرات.
وكانت مآذن شاهقة قد بقيت في الرحبة القديمة إلى جانب أنقاض المدينة. وكان الناس يسمون ذلك المكان بالمواذين أي المآذن، ثم قلبت الواو ياءاً فصارت المياذين. التي توضعت فوق أنقاض الرحبة القديمة. وبعدما أصبح لواء ديرالزور متصرفية مستقلة تتبع الأستانة عام 1888م نقل مركز القضاء إلى المياذين وذلك لتوسع عمرانها مقارنة بالعشارة. فأخذت المياذين تنمو. كما أصبحت محطة للقوافل بين حلب وبغداد. بنت السلطة العثمانية داراً للحكومة في المياذين عام 1904م، ثم شيد الطابق الثاني عام 1919م، كما شيدت مركزاً للهاتف والبريد من طابقين بجوار السرايا القديمة إضافةً إلى المسكن الخاص بقائم مقام القضاء.
في عام 1918م احتلت قوة بريطانية المياذين بقيادة شومر الذي نصب نفسه حاكماً سياسياً على المنطقة،وكان شومر سريع الاستجابة للمطالبات الشعبية وحل الخلافات المحلية بمعاونة السيد صالح الرمضان. وفي عام 1920م أُلحقت ناحية البصيرة بقضاء المياذين.
تشكلت قوات محلية في المياذين بقيادة الضابط العثماني عبدالمحسن الهفل عام 1920م، وذلك لحفظ الأمن وللتمكن من الفوضى التي عمت المنطقة إثر انسحاب القوات العثمانية. ولتثبيت دعائم الحكم للشريف فيصل بن الحسين الذي نودي به ملكاً على سوريا آنذاك.
وفي عام 1921م وعلى إثر احتلال فرنسا للبلاد، وصلت إلى المياذين حملة عسكرية بقيادة الجنرال ديبيوفر بعد أن شاركت تلك الحملة بقمع ثورة العنابزة في خشام، وكانت تجوب المياذين للبحث عن الأسلحة ومصادرتها، كما أنها فرضت غرامات مالية على المنطقة.
حدث في سنة 1924م تساقط كثيف للثلوج وهبوب رياح شديدة البرودة مدة ثلاث أيام، تسببت في اقتلاع الأشجار وتلف المزروعات ونفوق قطعان كبيرة من المواشي. بالإضافة إلى وفاة العديد من الأشخاص وقد سميت بـ ( سنة لوفة ).
أما سنة الجراد فكانت سنة 1931م، عندما قدمت أسراب كثيرة من الجراد النجدي، كادت أن تغطي السماء، فتسابق الأهالي إلى جمعه وطبخه بالقدور الكبيرة وتجفيفه تمهيداً لأكله.
في عام 1933م صدر قرار بإلغاء قضاء المياذين واعتباره ناحية بداعي أن واردات المنطقة غير كافية لتسديد رواتب الموظفين والنفقات الأخرى. ونتيجة للشكاوي المستمرة والمراجعات المتكررة للمسؤولين في دمشق، فقد تقرر إعادة القضاء عام 1937م وتعيين السيد محمود أمين العليوي من ديرالزور قائم مقام القضاء، وانتخاب مجلس إدارة القضاء من السادة: الشيخ جدعان الهفل، و مصطفى الوكاع البورسان، و محمد الخضر، و سيف الدين الراوي، و خالد السليمان، و شاكر الطعمة، و محمد النايف، و خلف العمير.
وفي العام 1937م ذاته، قدم من دمشق السيد فخري البارودي أحد زعماء الكتلة الوطنية التي قادت البلاد للمطالبة في حقها بالاستقلال والحرية. وقام بفتح مكتب فرعي للكتلة الوطنية بالمياذين في منزل السيد عبدالمحسن الهفل النائب السابق في البرلمان السوري في الثلاثينيات. وانبثقت عن هذا المكتب فرقة مدربة عسكرياً بقيادة سيف الدين الراوي. وبضغط من السلطات الفرنسية تم إغلاق المكتب سنة 1938م.
عندما ورد في الصحف اليومية خبر تنازل فرنسا عن لواء الاسكندرون لتركيا عام 1938م، قامت مظاهرات احتجاجية في المياذين، واضراب عم أسواق البلدة، وانتهت المظاهرات بعد قيام الفرنسيين باعتقال بعض المتظاهرين وإرسال بعضهم إلى سجون دمشق.
وفي عام 1940م وأثناء قدوم المستشار الفرنسي إلى المياذين، تصدت له مجموعة من الشباب يتقدمهم حمادي الضويحي، محطمين سيارته والموكب المرافق. فتم اعتقال تلك المجموعة وزجها في سجن ديرالزور وتم الإفراج عنهم بعد أسابيع بمساعي ووساطة بعض رؤساء العشائر.
وفي العام 1941م وبعد انتهاء ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز في العراق، جاء إلى المياذين الضابط فوزي القاوقجي وبصحبته عدد من المجاهدين ممن شاركوا في هذه الثورة. وقد اتخذ القاوقجي من المدرسة القديمة مقراً للقيادة، حيث كانت هجماتهم مستمرة ضد القوات البريطانية المرابطة في حصيبة العراقية. وانتهت عملياتهم تلك بعد خمسة عشر يوماً وغادروا المياذين متوجهين إلى دمشق.
وفي العام نفسه، قام بعض سكان قرى قضاء المياذين بالامتناع عن دفع الضرائب المفروضة من دائرة المالية. إثر ذلك طلب قائم مقام القضاء من قيادة الجيش في ديرالزور إرسال قوة لمؤازرة السلطة المحلية في قمع هذا العصيان فحضرت كتيبة من الجنود السنغال قوامها 300 عنصر وبإمرة ضباط فرنسيين تمركزت في دار الحكومة القديمة. قامت تلك القوات باعتراض الأهالي بحجة التفتيش عن السلاح فتجمع عدد كبير من الأهالي والقرى في الجانب الشرقي من البلدة، وفي هذه الأثناء جاءتهم سيارة تابعة للجيش الفرنسي قادمة من البوكمال فاستوقفوا السيارة وطعنوا سائقها وجردوا الضابط الفرنسي ومرافقيه من أسلحتهم و زيهم، ثم أطلقوهم. بعدها هبت مفرزة من الكتيبة السنغالية للنجدة فاصطدمت بتلك الجموع، وقد نتج عن ذلك مقتل كافة السنغاليين والاستيلاء على أسلحتهم، وقد قتل بضعة أشخاص من تلك الجموع. ثم سارت تلك الجموع بتجاه دائرة الجمرك فاستولوا عليها بعد فرار عناصرها. وقد أدت تلك الحادثة إلى سحب ماتبقى من الكتيبة السنغالية وإرسال كتيبة القوات المختلطة ( لوجون طرانجيه ) المرابطة في ديرالزور التي مكثت في المياذين بضع أيام قبل رجوعها لموقعها.
في عام 1945م زار المياذين سيادة الرئيس شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية، وذلك ضمن جولته في المنطقة الشرقية إثر جلاء القوات الفرنسية عن البلاد، وقد جرى لسيادته استقبال رائع. وكان الدكتور أحمد المصطفى الوكاع الرحبي الذي كان في طليعة المستقبلين قد ألقى قصيدة تليق بمكانة القوتلي وماضي جهاده. وقد جرى خلال هذه الزيارة وضع حجر الأساس لمستوصف المياذين في الحي الغربي.
كانت تلك نبذة عن تاريخ الرحبة من غابر العصور حتى النصف الأول من القرن العشرين، آملين أن يكون فيها إفادة في تسليط الضوء على تلك المنطقة عبر التاريخ. والموضوع لايزال بحاجة لمزيد من الجهود والبحوث، نسأل الله أن يرحم الأستاذ العلامة عبدالقادر عياش الذي اقتبسنا من كتابه (حضارة وادي الفرات) في كتابة هذه النبذة. والشكر للأستاذ عبدالرزاق حمد العبدالله صاحب (الميادين بين الماضي والحاضر).
من أهم المواقع والمدن التي اشتهرت في وادي الفرات الأعلى في العهود الآرامية والعباسية والمملوكية. وقد تقوضت تلك المدينة في أواخر القرن السابع للهجرة، وقامت على أنقاضها مدينة المياذين الحالية.
يرتقي تاريخ مدينة الرحبة –التي كانت رحبوت- إلى القرن العشرين قبل الميلاد وفقاً لبعض المؤرخين . ونجد ذكراً لها في القرن الثاني قبل الميلاد عندما كانت إمارة آرامية تدعى ( آرام بيت رحوب ) وكانت قبل ذلك تسمى ( رحبوت ) أو ( رحبوتا ). وقد تعرضت شأنها شأن باقي إمارات مملكة دمشق الآرامية إلى الهجمات الآشورية حتى سقطت بيد الملك الآشوري ( آشور ناصر بال ) وعندما تصدعت المملكة الآشورية انتفضت ( رحبوت ) لتسترجع قوتها، وتخرج عن سلطة الآشوريين إلا أن ذلك الاستقلال لم يدم طويلاً بسبب الحملات الآشورية المتعاقبة مابين عامي 858 ق.م و 857 ق.م بقيادة ملكهم ( شلمنصر ) الذي تمكن أخيراً من إخضاع ماتبقى من الإمارات الآرامية بمافيها ( بيت رحوب ) لسلطانه، وفرض الجزية عليها من ذهب وفضة ونحاس وغلات زراعية، وأعقب ذلك خرابها، وانعدام ذكرها بعد ذلك التاريخ.
أما تاريخها الإسلامي فهو قد ارتبط بالأمير مالك بن طوق التغلبي باعث عمرانها. ذلك أن خلفاء بني العباس خبروا مالكاً، وقدروا كفائته ونسبه التغلبي. وحسبوا حساب قبيلته تغلب الكبيرة ومنزلتها الرفيعة قبل الإسلام وبعده ومنازلها في الجزيرة الفراتية بين الخابور والرقة وفي منطقة البشري في الشامية، مما يلي الفرات، فاختاروا مالكاً والياً على ( ناحية الفرات ) أو ( طريق الفرات ) كما كان يسمى في العصر العباسي، وهي المنطقة الممتدة بين عانة و بالس ( مسكنة ) والتى تعرف حالياً بمصطلح ( الزور ).
اتخذ مالك بن طوق من موقع الرحبة مركزاً لإمارته، فجدد بنائها وأقام فيها مدة طويلة. وكثر سكانها في عهده بالنظر لحسن موقعها ووقوعها على طريقٍ هامة. واستمر والياً على الرحبة مدة أربعين سنة عاصر خلالها ثمانية خلفاء عباسيين، فلما مات خلفه على حكم الرحبة ابنه أحمد.
وفي عام 269هجرية هاجم الرحبة الأفشين والي قنسرين، فدافع أهلها عنها وقاتلوه فغلبهم، وقتل منهم أناساً كثيرين، وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام. وكان الأفشين قد تحالف مع اسحق بن كنداج والي الموصل على أن يحكما ديار ربيعة ومصر والشام ، ثم تنافرا وجرت بينهما عدة مواقع وخاض الأفشين معارك كثيرة، وعاث في هذه البلاد فساداً وتقتيلاً وتخريباً.
آلت الرحبة إلى حمدان بن ناصر الدولة التغلبي، أقطعه إياها والده ناصر الدولة أبي الهيجاء الحسن بن عبدالله بن حمدان الذي كان والياً على الموصل والجزيرة في خلافة المقتدر (295هـ إلى 320 هـ 932م).
وفي عام 315هـ سار أبوطاهر القرمطي تجاه الرحبة وعليها يومئذٍ أبوجعفر محمد بن عمرون التغلبي، فافتتحها عنوة ونزلها في شهر محرم 316هـ، وقد قتل كثيراً من أهلها. ومن الرحبة بعث السواري إلى النواحي في الجزيرة، إلى كفر توثا ورأس العين ونصيبين فأوقعوا بالأعراب من تغلب والنمر وغيرهم. وبعد فشل أبوطاهر في المسير نحو الشام انطلاقاً من الرحبة سار عنها منحدراً في الفرات عائداً إلى البحرين في شهر شعبان 316هـ.
وكانت الرحبة بعد ذلك في عهد الخليفة الراضي بالله من إقطاع والي بغداد أبوبكر محمد بن رائق وكان نائب ابن رائق في الرحبة سنة 330هـ رجل يدعى مسافر بن الحسن، فلما قتل ابن رائق استولى مسافر على الرحبة وخراجها، إلى أن تمكن منها ناصر الدولة الحمداني في شعبان 331هـ.
بعد وفاة ناصر الدولة اختلف أبناؤه على الرحبة، وكانوا يتقاتلون عليها، فتارةً تقع بيد حمدان وتارةً بيد أبي تغلب وأخرى بيد أبي البركات. حتى استقرت بيد أبي تغلب عبدالله بن ناصر الدولة عام 360هـ وقد حسن حالها وعمر أسوارها. خرجت الرحبة من يد آبي تغلب بن حمدان في السنة 368 هـ - 978 م وخضت لسلطة عضد الدولة البويهي واستولى عليها أبو علي بن ثمال الخفاجي ولاه عليها الحاكم بأمر الله صاحب مصر. وفي عهد الخليفة القادر الذي بويع سنة 381 هـ وتوفي سنة 422 هـ استولى على الرحبة بكجور الذي كان واليا على دمشق للعزيز بالله الفاطمي وفي السنة 378 هـ عزله عنها فتوجه إلى الرقة واستولى عليها وعلى الرحبة وجعل الرقة مقره وقتل واستولى سعد الدولة مالك حلب على أمواله بالرقة ومات سعد الدولة بعد ذلك فأرسل أهل الرحبة إلى بهاء الدولة البويهي ببغداد يطلبون إليه أن ينفذ من يتسلم بلدهم فانفذ إليهم أميرا تسلمها. انتقلت البلاد إلى حوزة الفاطميين وصار يخطب لهم بالرقة والرحبة إلا أن سلطانهم كان اسميا والنفوذ إلى رؤساء القبائل المضرية وكان هؤلاء يتطاحنون فقد قتل عيسى بن خلاط العقيلي السنة 399 أبا علي بن ثمال الخفاجي واستولى على الرحبة وأقام فيها مدة وقصده بدران بن المقلد العقيلي فأخذها منه فأمر الحاكم بأمر الله الفاطمي نائبه بدمشق لؤلؤ البشاري بالمسير إليه فقصد الرقة أولا وملكها ثم سار إلى الرحبة وملكها وعاد إلى دمشق وعادت الرحبة إلى سطان الفاطميين.
استقل رجل من أهل الرحبة يدعى ابن محكان بأمرها بمساعدة صالح بن مرداس الكلابي الذي انفرد بملك الرحبة بعد أن اغتال ابن محكان عام 415هـ ولاحقاً أسس الدولة المرداسية في حلب على أنقاض الدولة الحمدانية. واستمرت تلك الدولة حتى 472 هـجرية كانت الرحبة خلالها تحت إمرة المرداسيين. ثم صارت إلى العقيليين من بعدهم.
وفي الفترة من 479 إلى 521 هجرية وقعت هي والأنحاء المجاورة بيد السلاجقة، وعندما تولى عماد الدين الزنكي السلطة عام 521هـ أقطع الرحبة وأعمالها إلى جاولي، ثم احتل قطب الدين الزنكي المدينة سنة 544هـ ، وفي محرم من عام 552 هـ خربت هزات أرضية مدينة الرحبة وحماة وشيزر وسلمية وغيرها، وفي عام 556 هجرية نهبت قبيلة خفاجة مدينتي الحلة والكوفة، فطاردتها حكومة بغداد، فالتجأت إلى الرحبة، وقويت فيها بانضمام أرهاط من العرب الرحل، وهزمت جيش بغداد الذي كان يطاردها.
وفي سنة 576 هجرية أقطع نورالدين الزنكي الرحبة وحمص لأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي، ولانشغال أسد الدين بالحروب عهد بإدارة الرحبة إلى ضابط يدعى يوسف بن الملاح، ولم يفرط أسد الدين شيركوه بأهمية الرحبة الاستراتيجية فاستحدث في جنوبها على بعد أربع كيلومترات بلدة صغيرة في أسفل القلعة القديمة لتفيد البلدة المستحدثة من قرب هذه القلعة حيث أصبحت الرحبة الجديدة محط القوافل من العراق والشام، وثغراً من الثغور الاسلامية. وظلت الرحبة بيد عائلة شيركوه قرابة قرن من الزمان إلى أن نصب الظاهر بيبرس البندقداري حاكماً عام 663هـ.
وفي العهد المملوكي كان الاهتمام بالرحبة لوقوعها على الحدود الشرقية لدولة المماليك ولمواجهتها خطر المغول في العراق. أوكل سلاطين المماليك مهمة الحفاظ على الأمن في طريق الفرات إلى آل فضل من طيء. وكان مركزهم الرئيسي في سلمية ولهم إقامة في الرحبة.
في عام 712هجرية حاصر المغول مدينة الرحبة بقيادة خربندا أثناء حملتهم المتجهة إلى الشام، غير أنه تراجع عنها تاركاً أدوات حصاره، فنقلها المدافعون عن المدينة إلى داخل القلعة. وفي عام 730 هجرية سبب فيضان الفرات للمدينة خراباً كبيراً. وفي ذات السنة تملك تيمورلنك العجم وطبرستان والعراقين والموصل والجزيرة، وجمع عساكر عديدة قاصداً بلاد الشام. وأرسل إلى السلطان رسلاً ومعهم هدية وكتاب، فلما وصلوا رحبة مالك بن طوق وثب عليهم نائب الرحبة كمش بغا، فقتلهم وأرسل الهدية والكتاب إلى السلطان.
بعد معركة مرج دابق عام 922هجرية أصبحت بلاد الشام جزءاً من الدولة العثمانية، وذلك في عهد السلطان سليم الأول، وفقدت الرحبة أهميتها التي كانت عليها في العهود السابقة فأصبح هذا الجزء مهمشاً ويدل على ذلك كثرة نقل تبعيتها الإدارية، كما أنها لم تعد مركز الأقليم الذي أصبح مدينة الدير ( دير الزور )، ففي البداية كان لواء الرحبة يتبع إيالة سوريا في عهد السلطان سليم الأول وأول عهد السلطان سليمان القانوني. وفي التشكيلات الإدارية العثمانية لعام 1527م أصبح لواء الدير والرحبة تابعاً لإيالة ديار بكر حتى عام 1566م عندما تأسست إيالة الرقة وألحق بها، وذلك قبل أن تلغى هذه الإيالة وتضم ألويتها إلى ولاية حلب.
وفي عام 1868 أصبح لواء دير الزور لواءاً مستقلاً، ويلحظ اختفاء اسم الرحبة حيث أن من بين أقضية لواء ديرالزور وقتها قضاء العشارة واختاروا العشارة وهي في منطقة الرحبة لوجود بيوت فيها، فلم تكن المياذين قد تكونت بعد حيث لايزال السكان معتصمين في القلعة القديمة بسبب فقدان الأمن.
وقد بقيت القلعة مأهولة حتى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، ولما ضاقت بسكانها وصعب عليها تأمين شربها، واستتب الأمن، ابتدأ سكانها يهجرونها على دفعات، إضافة للهجرات السابقة فقد شرع قسم من الرحبيين بالهجرة إلى مركز القضاء ( العشارة )، ثم تحولت الهجرات إلى موقع الرحبة القديمة لقربها من القلعة، وليستعين المهاجرون بآجر المدينة القديمة يستخرجونه من أنقاضها وسورها في بناء بيوتهم. وليكونوا على نهر الفرات لتأمين شربهم وسقاية ماشيتهم. فلقد خربت الترعة القديمة التي كانت تتفرع من نهر سعيد الذي كان يخرج من نهر الفرات.
وكانت مآذن شاهقة قد بقيت في الرحبة القديمة إلى جانب أنقاض المدينة. وكان الناس يسمون ذلك المكان بالمواذين أي المآذن، ثم قلبت الواو ياءاً فصارت المياذين. التي توضعت فوق أنقاض الرحبة القديمة. وبعدما أصبح لواء ديرالزور متصرفية مستقلة تتبع الأستانة عام 1888م نقل مركز القضاء إلى المياذين وذلك لتوسع عمرانها مقارنة بالعشارة. فأخذت المياذين تنمو. كما أصبحت محطة للقوافل بين حلب وبغداد. بنت السلطة العثمانية داراً للحكومة في المياذين عام 1904م، ثم شيد الطابق الثاني عام 1919م، كما شيدت مركزاً للهاتف والبريد من طابقين بجوار السرايا القديمة إضافةً إلى المسكن الخاص بقائم مقام القضاء.
في عام 1918م احتلت قوة بريطانية المياذين بقيادة شومر الذي نصب نفسه حاكماً سياسياً على المنطقة،وكان شومر سريع الاستجابة للمطالبات الشعبية وحل الخلافات المحلية بمعاونة السيد صالح الرمضان. وفي عام 1920م أُلحقت ناحية البصيرة بقضاء المياذين.
تشكلت قوات محلية في المياذين بقيادة الضابط العثماني عبدالمحسن الهفل عام 1920م، وذلك لحفظ الأمن وللتمكن من الفوضى التي عمت المنطقة إثر انسحاب القوات العثمانية. ولتثبيت دعائم الحكم للشريف فيصل بن الحسين الذي نودي به ملكاً على سوريا آنذاك.
وفي عام 1921م وعلى إثر احتلال فرنسا للبلاد، وصلت إلى المياذين حملة عسكرية بقيادة الجنرال ديبيوفر بعد أن شاركت تلك الحملة بقمع ثورة العنابزة في خشام، وكانت تجوب المياذين للبحث عن الأسلحة ومصادرتها، كما أنها فرضت غرامات مالية على المنطقة.
حدث في سنة 1924م تساقط كثيف للثلوج وهبوب رياح شديدة البرودة مدة ثلاث أيام، تسببت في اقتلاع الأشجار وتلف المزروعات ونفوق قطعان كبيرة من المواشي. بالإضافة إلى وفاة العديد من الأشخاص وقد سميت بـ ( سنة لوفة ).
أما سنة الجراد فكانت سنة 1931م، عندما قدمت أسراب كثيرة من الجراد النجدي، كادت أن تغطي السماء، فتسابق الأهالي إلى جمعه وطبخه بالقدور الكبيرة وتجفيفه تمهيداً لأكله.
في عام 1933م صدر قرار بإلغاء قضاء المياذين واعتباره ناحية بداعي أن واردات المنطقة غير كافية لتسديد رواتب الموظفين والنفقات الأخرى. ونتيجة للشكاوي المستمرة والمراجعات المتكررة للمسؤولين في دمشق، فقد تقرر إعادة القضاء عام 1937م وتعيين السيد محمود أمين العليوي من ديرالزور قائم مقام القضاء، وانتخاب مجلس إدارة القضاء من السادة: الشيخ جدعان الهفل، و مصطفى الوكاع البورسان، و محمد الخضر، و سيف الدين الراوي، و خالد السليمان، و شاكر الطعمة، و محمد النايف، و خلف العمير.
وفي العام 1937م ذاته، قدم من دمشق السيد فخري البارودي أحد زعماء الكتلة الوطنية التي قادت البلاد للمطالبة في حقها بالاستقلال والحرية. وقام بفتح مكتب فرعي للكتلة الوطنية بالمياذين في منزل السيد عبدالمحسن الهفل النائب السابق في البرلمان السوري في الثلاثينيات. وانبثقت عن هذا المكتب فرقة مدربة عسكرياً بقيادة سيف الدين الراوي. وبضغط من السلطات الفرنسية تم إغلاق المكتب سنة 1938م.
عندما ورد في الصحف اليومية خبر تنازل فرنسا عن لواء الاسكندرون لتركيا عام 1938م، قامت مظاهرات احتجاجية في المياذين، واضراب عم أسواق البلدة، وانتهت المظاهرات بعد قيام الفرنسيين باعتقال بعض المتظاهرين وإرسال بعضهم إلى سجون دمشق.
وفي عام 1940م وأثناء قدوم المستشار الفرنسي إلى المياذين، تصدت له مجموعة من الشباب يتقدمهم حمادي الضويحي، محطمين سيارته والموكب المرافق. فتم اعتقال تلك المجموعة وزجها في سجن ديرالزور وتم الإفراج عنهم بعد أسابيع بمساعي ووساطة بعض رؤساء العشائر.
وفي العام 1941م وبعد انتهاء ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز في العراق، جاء إلى المياذين الضابط فوزي القاوقجي وبصحبته عدد من المجاهدين ممن شاركوا في هذه الثورة. وقد اتخذ القاوقجي من المدرسة القديمة مقراً للقيادة، حيث كانت هجماتهم مستمرة ضد القوات البريطانية المرابطة في حصيبة العراقية. وانتهت عملياتهم تلك بعد خمسة عشر يوماً وغادروا المياذين متوجهين إلى دمشق.
وفي العام نفسه، قام بعض سكان قرى قضاء المياذين بالامتناع عن دفع الضرائب المفروضة من دائرة المالية. إثر ذلك طلب قائم مقام القضاء من قيادة الجيش في ديرالزور إرسال قوة لمؤازرة السلطة المحلية في قمع هذا العصيان فحضرت كتيبة من الجنود السنغال قوامها 300 عنصر وبإمرة ضباط فرنسيين تمركزت في دار الحكومة القديمة. قامت تلك القوات باعتراض الأهالي بحجة التفتيش عن السلاح فتجمع عدد كبير من الأهالي والقرى في الجانب الشرقي من البلدة، وفي هذه الأثناء جاءتهم سيارة تابعة للجيش الفرنسي قادمة من البوكمال فاستوقفوا السيارة وطعنوا سائقها وجردوا الضابط الفرنسي ومرافقيه من أسلحتهم و زيهم، ثم أطلقوهم. بعدها هبت مفرزة من الكتيبة السنغالية للنجدة فاصطدمت بتلك الجموع، وقد نتج عن ذلك مقتل كافة السنغاليين والاستيلاء على أسلحتهم، وقد قتل بضعة أشخاص من تلك الجموع. ثم سارت تلك الجموع بتجاه دائرة الجمرك فاستولوا عليها بعد فرار عناصرها. وقد أدت تلك الحادثة إلى سحب ماتبقى من الكتيبة السنغالية وإرسال كتيبة القوات المختلطة ( لوجون طرانجيه ) المرابطة في ديرالزور التي مكثت في المياذين بضع أيام قبل رجوعها لموقعها.
في عام 1945م زار المياذين سيادة الرئيس شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية، وذلك ضمن جولته في المنطقة الشرقية إثر جلاء القوات الفرنسية عن البلاد، وقد جرى لسيادته استقبال رائع. وكان الدكتور أحمد المصطفى الوكاع الرحبي الذي كان في طليعة المستقبلين قد ألقى قصيدة تليق بمكانة القوتلي وماضي جهاده. وقد جرى خلال هذه الزيارة وضع حجر الأساس لمستوصف المياذين في الحي الغربي.
كانت تلك نبذة عن تاريخ الرحبة من غابر العصور حتى النصف الأول من القرن العشرين، آملين أن يكون فيها إفادة في تسليط الضوء على تلك المنطقة عبر التاريخ. والموضوع لايزال بحاجة لمزيد من الجهود والبحوث، نسأل الله أن يرحم الأستاذ العلامة عبدالقادر عياش الذي اقتبسنا من كتابه (حضارة وادي الفرات) في كتابة هذه النبذة. والشكر للأستاذ عبدالرزاق حمد العبدالله صاحب (الميادين بين الماضي والحاضر).