وأما من السنة فالأحاديث أيضاً كثيرة :
فعن عبادة بن الصامت t قال : قال رسول الله " ليشربن ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها ، يُعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم القردة والخنازير " ، وعن أبو مالك أو أبو عامر الأشعري قال : قال رسول الله " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ (الفرج) والحرير والخمر والمعازف " وقوله " يستحلون " صريح بأن المذكورات – ومنها المعازف – محرمة في الشرع ، ولكن أولئك القوم يستحلونها ، ولو لم تكن محَرَّمة لما قرنها النبي مع الزنا والخمر ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يَرِيَهُ خير له من أن يمتلئ شِعراً " ، وهذا الحديث إنما هو محمول على التجرد للشعر ، أي أن يغلب الشعر على قلب الإنسان فيشغله عن القرآن وعن الذِّكر ، وأما إذا كان القرآن والذِّكر هما الغالبين عليه ، فليس جوفه ممتلئاً ، فعن مصعب بن الزبير قال : بينما نحن نسير مع رسول الله بالعرج إذ عرض شاعر ينشد ، فقال رسول الله : خذوا الشيطان ، أو : امسكوا الشيطان ، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يَرِيَهُ خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً " وعن عبدالرحمن بن عوف قال : " أخذ النبي بيدي ، فانطلقت معه إلى ابراهيم ابنه ، وهو يجود بنفسه ، فأخذه النبي في حجره حتى خرجت نفسه . قال : فوضعه وبكى . قال : فقلت : تبكي يا رسول الله وأنت تنهى عن البكاء ؟! قال إني لم أَنْهَ عن البكاء ، ولكني نهيت عن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ : صوتٌ عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشيطان ، وصَوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ، وهذه رحمة ، ومن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ، ولولا أنه وعد صادق وقول حق وأن يلحق أولنا بآخرنا ، لحزنَّا عليك حزناً أشد من هذا ، وإنا بك يا ابراهيم لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرَّب " ، وعن أنس بن مالك عن النبي قال " صوتان ملعونان : صوت مزمار عند نعمة ، وصوت ويلٍ عند مصيبة " ، وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : " إن الله حرَّم عليَّ – أو حرَّم – الخمر والميسر والكوبة وكلَّ مُسكرٍ حرام " والكوبة : هي الطَّبل ، وقال : " ثمن الخمر حرام ، ومهر البغيَّ حرام ، وثمن الكلب حرام ، والكوبة حرام " والكوبة : الطَّبل ، وقال : إن الله حرَّم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنِّين ، وزادني صلاة الوتر " ، والمزر : نبيذ الذرة خاصة وهو الغبيراء ، والكوبة : هي الطَّبل ، والقنِّين : هو العود من آلات الموسيقى ، وعن عمران بن حصين قال : قال رسول الله : " يكون في أمتي قذف ، وخسف ، ومسخ ، قيل يا رسول الله : ومتى ذاك ؟ قال : إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القِيَان ، وشُرِبَت الخمور " ، وقال : " تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ، ولهوٍ ولعب ، ثم يصبحون قردة وخنازير ، فَيُبْعَثْ على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نَسَفَتْ من كان قبلهم باستحلالهم الخمور ، وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات " ، وقال " والذي نفسي بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ، ولعب ولهو ، فيصبحوا قردة وخنازير ، باستحلالهم المحارم والقينات ، وشربهم الخمر ، وأكلهم الربا ، ولبسهم الحرير " ، وقال : " لا تبيعوا القينات ، ولا تشتروهن ، ولا تُعَلِّموهن ، ولا خير في تجارةٍ فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أُنزِلَت هذه الآية " وَمِنَ اَلْنَاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَلَّله" ، وفي هذا رد على من قال بأن الآية لا تعني الغناء ، وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله " إذا استحلَّت أمتي ستاً فعليهم الدمار : إذا ظهر فيهم التلاعن ، وشربوا الخمور ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القِيان ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء " ، وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم الآت الطرب .
وأما الآثار عن الصحابة والسلف فكثيرة أيضاً :
فقد رُوِيَ أن عبدالله بن مسعود t : مرَّ بلهو ، فأعرض عنه ، فقال رسول الله : " إنْ أصْبَحَ ابنُ مسعودٍ لكريماً " ، وقال ابن وهب : أخبرني سليمان بن بلال عن كثير بن زيد : أنه سمع عُبَيدَالله يقول للقاسم بن محمد بن أبي بكر : " كيف ترى في الغناء ، قال : فقال له القاسم : هو باطل ، فقال : قد عرفت أنه باطل ، فكيف ترى فيه ؟ فقال له القاسم : أرأيت الباطل ، أين هو ؟ قال : في النار ، قال : فهو ذاك " ، وقال رجل لابن عباس رضي الله عنهما " ما تقول في الغناء ، أحلال هو ، أم حرام ؟ فقال : لا أقول حراماً إلا ما في كتاب الله ، فقال أفحلالٌ هو ؟ فقال : ولا أقول ذلك ، ثم قال له : أرأيت الحق والباطل ، إذا جاء يوم القيامة ، فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل : يكون مع الباطل ، فقال له ابن عباس : اذهب فقد أفتيتَ نَفسك " ، وورد عن الفضيل بن عياض أنه قال : " الغناء رقية الزنا " ، وورد عن يزيد بن الوليد أنه قال : " يا بَنِي أُمَيَّةَ ، إيَّاكم والغناء ، فإنه يَنْقُصُ الحياء ، وَيَزيد في الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السِّكْرْ ، فإن كنتم لا بْدَّ فاعلين فَجَنِّبوهُ النِّساء ، فإن الغناء داعية الزنا " وورد عن الحُطَيْئَةَ أنه نزل برجل من العرب ، ومعه ابنته مُلَيْكَة ، فلما جَنَّهُ الليل سمع غِناء ، فقال لصاحب المنزل : كُفَّ هذا عنِّي ، فقال : وما تَكْرَهُ من ذلك ؟ فقال : إن الغناء رائدٌ من رادةِ الفجور ، ولا أحب أن تسمعه هذه ، يعني ابنته ، فإن كَفَفْتَهُ وإلا خَرَجْتُ عَنْك ، وورد أيضاً عن ابن مسعود أنه قال : " الغناء يُنْبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء الزرع ، والذِّكر يُنبت الإيمان في القلب كما يُنبت الماء الزرع " ، وورد عن عمر بن عبدالعزيز أنه كَتَبَ إلى مؤدِّب ولده : " ليكن أوَّل ما يعتقدون من أَدَبِكَ بُغْض الملاهي ، التي بدؤها من الشيطان ، وعاقبتها سخط الرحمن ، فإنه بلغني عن الثُّقات من أهل العلم : أن صوت المعازف ، واستماع الأغاني ، واللهج بها يُنبت النفاق في القلب كما يَنْبُت العشب على الماء " ، وذكر الخلاَّل عَن مكحول قال : لمن مات وعنده مُغَنِّيَةً لم نُصَلِّ عليه .